فصل: تفسير الآية رقم (67):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون} الآية. قال: ففرض عليهم أن لا يفر رجل من عشرة ولا قوم من عشرة أمثالهم، فجهد الناس ذلك وشق عليهم، فنزلت الآية: {الآن خفف الله عنكم} إلى قوله: {ألفين} ففرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثليهم، ونقص من الصبر بقدر ما تخفف عنهم من العدة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {إن يكن منكم عشرون...} الآية. قال: كان يوم بدر، جعل الله على المسلمين أن يقاتل الرجل الواحد منهم عشرة من المشركين لقطع دابرهم، فلما هزم الله المشركين وقطع دابرهم خفف على المسلمين بعد ذلك، فنزلت: {الآن خفف الله عنكم} يعني بعد قتال بدر.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} قال: نزلت في أهل بدر، شدد عليهم فجاءت الرخصة بعد.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال: هذا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر جعل الله كل رجل منهم يقاتل عشرة من الكفار، فضجوا من ذلك فجعل على كل رجل منهم قتال رجلين تخفيف من الله عز وجل.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمير رضي الله عنهما في قوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} قال: نزلت فينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الشيرازي في الألقاب وابن عدي والحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا} رفع.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي. أنه قرأ {وعلم أن فيكم ضعفًا}.
وأخرج ابن مردويه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ {وعلم أن فيكم ضعفًا} وقرأ كل شيء في القرآن ضعف. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا}
قوله: {ضَعْفًا}:
قرأ عاصم وحمزة هنا، وفي الرُّوم في كلماتها الثلاث {الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا} [الروم: 54] بفتح الضاد والباقون بضمها.
وعن حفص وحده خلافٌ في الروم.
وقرأ عيسى بن عمر: {ضُعُفًا} بضم الضاذ والعين وكلها مصادر.
وقيل: الضَّعْفُ- بالفتح- في الرأي والعقل، وبالضم في البدن.
وهذا قول الخليل بن أحمد، هكذا نقله الراغب عنه.
ولمَّا نقل ابنُ عطية هذا عن الثعلبي، قال: وهذا القول تردُّه القراءة.
وقيل: هما بمعنى واحد، لغتان: لغةُ الحجاز الضَّمُّ، ولغةُ تميم الفتح، نقله أبو عمرو، فيكونان كـ: الفَقْر والفُقْر، والمَكْث والمُكْث، والبَخَل والبُخْل.
وقرأ ابن عباس فيما حكى عنه النقاش وأبو جعفر {ضُعَفَاء} جمعًا على فُعَلاءَ كـ ظَرِيف وظُرفُاء.
قوله: {يكُن مِنكُم} {يكن} في هذه الأماكن يجوز أن تكون التامَّة، ف {مِنكُمْ} إمَّا حالٌ من {عِشْرون} لأنها في الأصل صفةٌ لها، وإمَّا متعلق بنفس الفعل، لكونه تامًا، وأن تكون الناقصة فيكون {مِنكُمْ} الخبرَ، والمرفوعٌ الاسمَ، وهو {عِشْرُونَ}، و{مائة}، و{ألف}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآيتين:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {يَا أَيُّهَا النبي حَرِّضِ المُؤْمِنينَ عَلَى القِتَالِ}.
المؤمن لا يزداد بنفسه ضعفًا إلاَّ ازداد بقلبه قوةً، لأن الاستقلال بقوة النَّفس نتيجةُ الغفلة، وقوةُ القلب بالله- سبحانه- على الحقيقة.
قوله جلّ ذكره: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
هذا لهم، فأمَّا النبي صلى الله عليه وسلم فهو بتوحيده كان مُؤمِّلًا بأَنْ يَثْبُتَ لجميع الكفار لكمال قوَّته بالله تعالى، قال عليه السلام: «بِكَ أصول»، وفي تحريضه للمؤمنين على القتال كانت لهم قوة، وبأمر الله كانت لهم قوة؛ فقوة الصحابة كانت بالنبي- عليه الصلاة والسلام، وتحريضه إياهم وقوتهم بذلك كانت بالله وبأمره إياه وشتَّان ما هما!
قوله: {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا}: والضَّعْفُ الذي علم فيهم كان ضَعْفَ الأشباح فخفَّفَ عنهم، أما القلوبُ فلم يتداخلها الضعف فحُمِلَ من ممارسة القتال بالعذر المذكور في الكتاب.
والعوام يحملون المشاقَّ بنفوسهم وجسومهم، والخواص بقلوبهم وهممهم، وقالوا: والقلبُ يحْمِلُ مَا لاَ يَحْمِلُ البَدَنُ وقال آخر.
وإنْ تَرَوْني أُعاديها فلا عَجَبٌ ** على النفوسِ جناياتٌ من الهِمَم

. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {يضربون وجوههم وأدبارهم} لأن الكافر ذاهب عن الدنيا مع تعلقه بها فيحصل له ألم من جهة الخلف ويقبل على الآخرة ولا نور له يبصر به ما أمامه فيحصل له تألم من قدام و{لم يك مغيرًا نعمة} مبدلًا حسن تقديم واستعداد أعطاهم الله بضده {حتى يغيروا} بالكفر والتكذيب {ما بأنفسهم} من نعم الاستعداد الفطري {الذين عاهدت منهم} يا روح في الأزل لأن نورك وصفتك غلب على ظلمة النفس وصفاتها {فشرد} يا روح {بهم من خلفهم} أي بالغ في تبديل صفات النفس وفي تزكيتها بحيث يؤثر نور تبدلها في الصفات التي وراءها {فانبذ إليهم على سواء} أي أظهر عداوتك معهم {وجاهدهم} أنهم لا يعجزون أي النفوس الكافرة تحت تصرفي فلا تقنطوا من رحمتي في إصلاح حالهم من قوة الروح وغلبات صفاتها وإعداده بمداومة الذكر وقطع التعلق {ومن رباط الخيل} ومن ربط القلب بطريق المراقبة لئلا يلتفت إلى الدنيا وزينتها {ترهبون} من نفوس شياطين الإنس {لا تعلمونهم} أنهم عدّوكم من الأحباب والأصدقاء والأقرباء {الله يعلمهم} أنهم عدوّ لكم كقوله: {إن من أزواجكم وأولادكم} [التغابن: 14] {وما تنفقوا من شيء} من شهوات النفس ولذاتها وزينتها بطريق الذكر والمراقبة {يوف إليكم} فوائد من تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعًا {وألف بين قلوبهم} بين الروح والقلب والسر وبين النفس وصفاتها.
{لو أنفقت ما في أرض} وجودك من السعي والجد والاجتهاد لما بين الروح النوراني والنفس الظلماني من التضاد {ولكن الله ألف} بين الروح والنفس وبين القلب والقالب ليكون الشخص الإنساني طلسمًا على كنز وجوده لم يكسر الطلسم للوصول إلى الكنز. والله أعلم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (67):

قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تقدم الأمر بالإثخان في {فشرد بهم} ثم بإعداد القوة، ثم التحريض على القتال بعد الإعلام بالكفاية ثم إيجاب ثبات الواحد لعشرة ثم إنزال التخفيف إلى اثنين؛ كذن ذلك مقتضيًا للإمعان في الإثخان، فحسن عتاب الأحباب في اختيار غير ما أفهمه هذا الخطاب، لكون ذلك أقعد في الامتنان عليهم بالعفو والغفران بسبب أن أكثرهم مال إلى فداء الأسارى فإن النبي صلى الله عليه وسلم استشارهم فيهم فأشار أبو بكر- رضى الله عنهم- بالمفاداة ومال معه الأكثر، وأشار عمر- رضى الله عنهم- بضرب أعناقهم، وروي أنه قال صلى الله عليه وسلم: «لو نزل من السماء عذاب- أي في هذا- ما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ رضى الله عنهما» فقال تعالى استئنافًا واستنتاجًا: {ما كان} أي ما صح وما استقام {لنبي} أي في شرع نبي الأنبياء مستقل ولا مقر، ولعله عبر بوصف النبوة ليفيد مع العموم أن كلًا من رفعه القدر والإخبار من الله يمنع من الإقدام على فعل بدون إذن خاص {أن يكون له أسرى} أي أن يباح له أسر العدو {حتى يثخن في الأرض} أي يبالغ في قتل أعدائه، فهو عتاب لمن أسر من الصحابة غير من نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله من المشركين أو رضي بذلك، وإنما أسند إلى نبي- وقرئ شاذًا بالتعريف- ولم يقل: ما كان في شرع نبي، تهويلًا للأسر تعظيمًا للعفو للمبالغة في القيام بالشكر، وهذا كان يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله سبحانه وتعالى: {فإما منًّا بعد وإما فداء} [محمد: 4] قاله ابن عباس- رضى الله عنهما-، ومادة ثخن تدور على الضخامة، وتارة يلزمها اللين والضعف، وتارة الصلابة والقوة، فحقيقته: يبالغ في القتل فيغلط أمره فيقوى، ويلين له أعداؤه ويضعفوا؛ ثم بين لهم أن الميل عن ذلك إنما هو لإرادة الأعراض الدنيوية المبكت به اليهود في آخر التي قبلها بقوله تعالى: {يأخذون عرض هذا الأدنى} [الأعراف: 196] كما أن النزاع في الأنفال ميل إلى الدنيا، وكل ذلك بمعزل عن معالي الأخلاق وكرائم السجايا، معللًا لعدم الكون المذكور بما تقديره: لأن الأسر إنما يراد به الدنيا، هكذا الأصل ولكنه أبرز في أسلوب الخطاب لأنه أوقع في النفس فقال: {تريدون} أي أنها المؤمنون المرغبون في الإنفاق لا في الجمع، باستبقائهم {عرض الدنيا} قال الراغب: العرض ما لا ثبات له، ومنه استعاره المتكلمون لما لا ثبات له إلا بالجوهر كاللون، وقال ابن هشام في تهذيب السيرة، أي المتاع الفداء بأخذ الرجال {والله} أي الذي له الكمال كله {يريد} أي لكم {الآخرة} اي جوهرها لأنه يأمر بذلك أمرًا هو في تأكيده ليمتثل كالإرادة التي لا يتخلف مرادها، وذلك بالإثخان في قتلهم لظهور الدين الذي تريدون إظهاره والذي به تدرك الآخرة، ولا ينبغي للمحب أن يريد إلا ما يريد حبيبه {والله} أي الملك الأعظم {عزيز} أي منزه جنابه العلي عن لحاق شيء مما فيه أدنى سفول {حكيم} أي لا يصدر عنه فعل إلا وهو في غاية الإتقان فهو يأمر بالإثخان عند ظهور قوة المشركين، فإذا ضعفت وقوي المسلمون فأنتم بالخيار، ولا يصح ادعاء ولايته إلا لمن ترقى في معارج صفاته، فيكون عزيزًا في نفسه فلا يدنسها بالأطماع الفانية، وفعله فلا يحطه عن أوج المعالي إلى حضيض المهاوي، وحكيمًا فلا ينشأ عنه فعل إلا وهو في غاية الإتقان. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{أن تكون} بالتاء الفوقانية: أبو عمرو وسهل ويعقوب ويزيد {أسارى} يزيد والمفضل. الآخرون {أسرى} من الأسارى. يزيد أبو عمرو والمفضل. الباقون من الأسرى.
{من ولايتهم} بكسر الواو حمزة. والباقون: بفتحها.

.الوقوف:

{في الأرض} ط لتقدير الاستفهام أي أتريدون {الآخرة} ط {حكيم} o {عظيم} o {واتقوا الله} ط {رحيم} o {ويغفر لكم} ط {رحيم} o {منهم} ط {حكيم} o {أولياء بعض} ط {حتى يهاجروا} ج {ميثاق} ط {بصير} o {أولياء بعض} ط {كبير} o {حقا} ط {كريم} o {منكم} ط {في كتاب الله} ط {عليم} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ}
واعلم أن المقصود من هذه الآية تعليم حكم آخر من أحكام الغزو والجهاد في حق النبي صلى الله عليه وسلم وفي الآية مسائل:

.المسألة الأولى: [في قراءة قوله: {وَتَكُونُ}]:

قرأ أبو عمر {وَتَكُونُ} بالتاء والباقون بالياء، أما قراءة أبي عمرو بالتاء فعلى لفظ الأسرى، لأن الأسرى وإن كان المراد به التذكير للرجال فهو مؤنث اللفظ، وأما القراءة بالياء فلأن الفعل متقدم، والأسرى مذكرون في المعنى، وقد وقع الفصل بين الفعل والفاعل وكل واحد من هذه الثلاثة إذا انفرد أوجب تذكير الفعل كقولك جاء الرجال وحضر قبيلتك وحضر القاضي امرأة.
فإذا اجتمعت هذه الأشياء كان التذكير أولى.
وقال صاحب الكشاف: قرئ للنبي صلى الله عليه وسلم على التعريف و{أسارى} و{يُثْخِنَ} بالتشديد.